بعد حزمة قرارات غير مسبوقة.. ما حجم التحديات الاقتصادية التي تواجهها مصر؟
رفع الفائدة وتعويم الجنيه واتفاق تاريخي مع صندق النقد
ضمن حزمة قرارات غير مسبوقة، اتفقت مصر مع صندوق النقد الدولي، على برنامج دعم موسع بقيمة 8 مليارات دولار وتركت عملتها تنخفض بشكل حاد، وأعلنت أنها ستسمح بتحديد سعر الصرف وفقا لآليات السوق، ورفعت أسعار الفائدة 600 نقطة أساس، في محاولة لتحقيق استقرار اقتصادي.
وقبل هذه الخطوة، توصلت مصر لصفقة استثمارية بقيمة 35 مليار دولار مع الشركة القابضة (إيه.دي.كيو)، وهي صندوق سيادي إماراتي، لتطوير شبه جزيرة على ساحل البحر المتوسط ومشاريع أخرى مما خفف من أزمة العملة الأجنبية المستمرة منذ فترة طويلة.
ما سبب المشاكل الاقتصادية في مصر؟
أصبح الاستثمار الأجنبي خارج قطاع النفط والغاز ضئيلا. وانخفضت التحويلات خلال 2022-2023 بواقع 30% إلى 22 مليار دولار مع إحجام العاملين في الخارج عن التحويل بسعر الصرف الرسمي. كما ألقت الحرب في قطاع غزة المتاخم للحدود الشمالية الشرقية لمصر بثقلها على السياحة وعائدات قناة السويس. وانخفضت إيرادات الممر الملاحي بنحو 50% في وقت سابق من هذا العام.
وأرجع السيسي مرارا التحديات الاقتصادية التي تواجهها مصر إلى الاضطرابات التي أعقبت الانتفاضة الشعبية عام 2011، فضلا عن النمو السكاني السنوي الذي يقول البنك الدولي إنه كان عند 1.7% في 2021، كما تُرجع السلطات التحديات إلى صدمات خارجية بما في ذلك جائحة كوفيد-19 والحرب في أوكرانيا.
إلى أي مدى أصبحت الأمور سيئة؟
على مدار العامين الماضيين، ضغط الشح الحاد في الدولار على الواردات وتسبب في تراكم البضائع في الموانئ مما كان له تأثيره على الصناعة المحلية. وارتفعت أسعار العديد من المواد الغذائية الأساسية بوتيرة أسرع بكثير من معدل التضخم الذي تسارع لمستوى غير مسبوق بلغ 38% في سبتمبر، وتباطأ النمو الاقتصادي، ويشكو كثير من المصريين من تراجع مستوى معيشتهم.
وهوى الجنيه بأكثر من الثلثين مقابل الدولار منذ مارس 2022 خلال مراحل من تخفيضات قيمته، وتزايد الضغط على العملة خلال العام الماضي في وقت ظل فيه سعر الصرف ثابتا دون 31 جنيها للدولار. ويثقل جدول سداد الديون الخارجية كاهل البلاد، وأدى ارتفاع أسعار الفائدة وضعف العملة إلى زيادة تكاليف خدمة الديون. والتهمت مدفوعات الفوائد أكثر من 45% من إجمالي الإيرادات في السنة المالية المنتهية في يونيو 2023.
وصنفت البيانات الرسمية نحو 30% من السكان على أنهم فقراء قبل جائحة كورونا، ويقول المحللون إن الأرقام ارتفعت منذ ذلك الحين. وتشير تقديرات إلى أن ما يصل إلى 60% من مواطني مصر البالغ عددهم 106 ملايين نسمة يعيشون تحت خط الفقر أو قريبون منه.
وانخفضت البطالة إلى حوالي 7%، لكن المشاركة في سوق العمل هبطت أيضا بشكل مطرد في العقد المنتهي في 2020. وتعاني بعض جوانب التعليم العام من حالة من التدهور. ويسعى كثير من الخريجين الذين تتاح لهم الفرصة إلى البحث عن عمل في الخارج.
إلى أين ذهبت الأموال؟
إلى جانب النفقات الاعتيادية، تنفق مصر مبالغ طائلة على البنية التحتية في عهد السيسي بما يشمل مشاريع الإسكان والمدن الجديدة ومد الطرق السريعة. وأبرز هذه المشروعات الضخمة هو بناء عاصمة جديدة بتكلفة 58 مليار دولار في الصحراء إلى الشرق من القاهرة.
كما ارتفعت واردات مصر من الأسلحة خلال العقد الماضي بما جعلها ثالث أكبر مستورد على مستوى العالم، وفقا لمعهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام. ويقول المسؤولون إنهم عززوا الإنفاق على البرامج الاجتماعية للمحتاجين، بما في ذلك على برنامج لتقديم منح نقدية يغطي نحو 5 ملايين أسرة.
ما هي خطة الحكومة؟
بموجب الاتفاق الأحدث مع صندوق النقد الدولي، تلتزم السلطات بمرونة في سعر الصرف فضلا عن الانضباط المالي من أجل خفض التضخم وعجز الميزان التجاري. كما تتضمن الخطة التي قادت للاتفاق إصلاحات هيكلية لتشجيع نمو القطاع الخاص، بسياسات من بينها إلغاء الإعفاءات والامتيازات للشركات المملوكة للدولة والتي تتمتع بثقل كبير. وقال صندوق النقد الدولي إن الاتفاق ينص أيضا على "إطار عمل جديد لإبطاء الإنفاق على البنية التحتية بما في ذلك المشاريع التي عملت حتى الآن خارج نطاق الرقابة على الميزانية العادية".
ما هو الدعم الذي يمكن لمصر البناء عليه؟
تنظر دول غربية وخليجية على نطاق واسع إلى مصر في عهد السيسي باعتبارها الركيزة الأساسية للأمن في منطقة مضطربة. وتلقت القاهرة ودائع واستثمارات بمليارات الدولارات من حلفائها في الخليج، بما في ذلك السعودية والإمارات، بعد الصدمة التي أحدثها الغزو الروسي لأوكرانيا، وحصلت على تأكيدات جديدة للتضامن بعد اندلاع أزمة غزة. لكن دول الخليج العربية أصبحت تشدد شروطها لضخ أموال جديدة، وتبحث بشكل متزايد عن استثمارات تعود عليها بعائد.
وظلت مثل هذه الاستثمارات والمبيعات من أصول الدولة عند مستويات متواضعة حتى اتفاق (إيه.دي.كيو) لتطوير شبه جزيرة رأس الحكمة، والذي اعترف صندوق النقد الدولي بأنه يخفف من ضغوط التمويل على المدى القريب. وأثار الاتفاق تكهنات بشأن المزيد من الصفقات المحتملة، بما في ذلك قطعة أرض بالقرب من شرم الشيخ بجنوب سيناء. وتسعى مصر أيضا لتوسيع العلاقات الاقتصادية مع دول من بينها الصين والهند، وتأمل في أن يؤدي انضمامها مؤخرا لتجمع بريكس إلى جذب المزيد من التدفقات الاستثمارية.
ليست هناك تعليقات